Image placeholder

خمس طرق تمكّن الوزيرة التونسية الجديدة للطاقة و المناجم و الطاقات المتجدّدة من المحافظة على النسق الايجابي للاصلاح

In English »

 
استجابة لمبادرة رئيس الجمهورية التونسية  المتعلقة بتكوين حكومة وحدة وطنية ، عرفت البلاد تعيين وزيرة جديدة للطاقة  و المناجم و الطاقات المتجدّدة السيدة هالة شيخ روحو ، و هي الوزير الثامن  الذي يتقلّد هذا المنصب خلال الخمس سنوات الماضية، و يطرح  هذا التغيير المتواصل على رأس الوزارة مخاطر تتعلق أساسا  باحتمال تشتت الخيارات ، ممّا يصعب  معه المحافظة على مبدأ الاستمرارية المكرّس بالفصل 15 من الدستور الذي ينص على أن: "الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، تُنظّم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام، ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة".

أين يتجلّى الرهان؟ يتمثل الرهان  في تطلّع المواطن التونسي الى الاستفادة من الثروات الطبيعية من فسفاط و نفط و غيرها.  لذلك  قامت تونس بخطوات هامة في اتجاه مزيد حوكمة التصرف في مورادها الطّبيعية  و ذلك  في حيّز زمني ضيّق نسبيا، لذلك يتعيّن المحافظة على هذا النسق المتواصل و الايجابي للاصلاح.

من المفترض أن تحافظ الوزارة على حد أدنى من  الاستقرار لاضفاء مزيد من النجاعة على عملها. الا أنها  كانت تعرف الى حدود سنة 2011 بوزارة الصناعة و التكنولوجيا، ثم اصبحت سنة 2012 وزارة الصناعة ثم وزارة الصناعة و التجارة في نفس السنة أي 2012 ، ليتم الفصل من جديد بين ملفي الصناعة   و التجارة سنة 2013.  و تم خلال سنة 2016  تقسيم وزارة الصناعة الى وزارتين، ليستقل  عبره ملف الطاقة و المناجم عن ملف الصناعة.  

عادة ما يترتب عن  كثرة التغييرات الهيكلية بعض الآثار السلبية ، منها القطيعة مع بعض الخيارات التي اقدم بعض الوزراء السابقين على اتخاذها ، و التي كانت بالتنسيق الكامل مع الاطراف المتدخلة في قطاعات الصناعات الاستخراجية . في بعض الحالات الأخرى، يمكن أن يقترن التحوير بتعطيل  نسق سير الاصلاحات و البرامج  التي هي بصدد الانجاز . علاوة على ذلك، تؤثّر كثرة التغييرات على المناخ الاجتماعي  و مدى انخراط المجتمع المدني اللذين  يتسمان  بالهشاشة    بعد سنوات طويلة من القمع . كما تفضي  حالات الترقب  التي ترافق التحويرات الى حالة من التراخي و اللامبالاة  ، و هو ما يؤثر سلبا على المتعاملين مع الادارة ، و يوتّر العلاقات بين مختلف المتدخلين في القطاع.

و تزداد هذه الوضعية تعقيدا في حالة عدم توفر الموارد البشرية اللازمة، حيث تضطر الاجهزة الادارية الى تقسيم عدد غير كاف من  الموظفين على وزارتين، مما يحد من نجاعة و فعالية اداء العون العمومي بسبب كثرة الملفات المعهودة اليه.

لتجنب تطوّر المخاطر ، ينبغي على وزيرة الطاقة و المناجم السيدة هالة  شيخ روحو  العمل على المحافظة  على المكتسبات التي تحققت مع سابقيها.

1)   مواصلة سياسة الانفتاح على المجتمع المدني و هيكلة الحوار بين الاطراف المتدخلة في القطاع  
وفّرت مبادرة شراكة الحكومة المفتوحة فضاء مشتركا للنقاش و العمل بين الحكومة من جهة و المجتمع المدني من جهة أخرى، وقد افرز هذا التعاون نجاح الحكومة التونسيىة في انجاز تعهد شراكة الحكومة المفتوحة ، أطلقت بمقتضاه الوزارة  قاعدة بيانات مفتوحة تتضمن معلومات هامة تخص قطاعي الطاقة و المناجم ) هذا الالتزام كان جزءا من الخطة الوطنية الأولى لشراكة الحكومة المفتوحة).   و قد  شكّل الاعداد للخطة الوطنية الثانية للفترة 2016-2018 لشراكة الحكومة المفتوحة فرصة سانحة لتبادل وجهات النظر بين ممثلي الادارة من جهة   و المجتمع المدني من جهة أخرى ، و تم الاتفاق عقب سلسلة الاجتماعات التي جمعت الطرفين على تطبيق المعايير الدولية للشفافية في الصناعات الاستخراجية، باعتبارها الآلية  التي تؤطّر عملية  نشر المعطيات المتعلقة بالقطاع. و تضمن مشروع الخطة الوطنية لشراكة الحكومة المفتوحة تعهدا تصدر قائمة تعهدات الدولة التونسية تمثل أساسا في الانخراط في مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية مع ضبط  آجال لكل مرحلة من مراحل مسار الانضمام للمبادرة، و يعتبر تطبيق هذا التعهد ضمانا لاستمرارية الاصلاحات على القطاع .
 
2) ضبط رزنامة للانتهاء من مسار الاصلاح القانوني   
شرعت الوزارة منذ ما يزيد عن الـ18 شهر في اعداد مشاريع قوانين لتنقيح مجلتي المحروقات و المناجم على ضوء الاحكام الدستورية الجديدة ، و شكّلت لهذا الغرض  لجان خبراء للمساعدة في  الاعداد ، كما قامت الوزارة أواخر شهر ماي 2016 بتنظيم يومي عمل حول تفعيل الاحكام الدستورية المتعلقة بالحوكمة و الشفافية  بحضور ممثلي المجتمع المدني و نواب و بالشراكة مع الاكاديمية الدولية للحوكمة الرشيدة بالمدرسة الوطنية للادراة و معهد حوكمة الموارد الطبيعية، و يعتبر مواصلة النقاش و ضبط روزنامة دقيقة لاعداد مشروعي تنقيح مجلة المحروقات و المناجم من اولى الاولويات بسبب تفاقم عزوف المستثمرون الاجانب  على الاستثمار في تونس، حيث تقلّص عدد الرخص المتعلقة باعمال الاستكشاف و البحث عن المحروقات خلال الفترة السابقة ، اذ اسندت  سنة 2010 بقرابة الـ58 رخصة ،  في حين  تم منح 38 رخصة سنة 2014 ، ليتقلّص العديد من جديد سنة 2015 باسناد 18 رخصة فقط  ، و نشير في هذا الصدد ان جملة التراخيص الممنوحة سنة 2015 تتعلق اما بالتجديد او التمديد و الاحالة و هو ما يعني انه لم يتم منح اية رخصة جديدة للاستكشاف        و البحث عن المحروقات العام الفارط ) لمزيد من المعطيات ، يرجى مراجعة الرائد الرسمي و مداخلة وزير الطاقة و المناجم خلال جلسة استماع بالبرلمان بتاريخ 8 جوان 2015). هذا و يفترض الاستثمار في القطاع وجود  اطار قانوني و مؤسساتي واضح و جذّاب على جميع الاصعدة.

3) الايفاء بالالتزام المتعلق بالتعاقد المفتوح
تعهدت الدولة التونسية خلال مؤتمر لندن لمكافحة الفساد الذي انعقد خلال شهر جوان الفارط بتطبيق مبادئ التعاقد  المفتوح،  هذا             و تجدر الاشارة الى ان اقدام الوزارة خلال شهر ماي الفارط بنشر جميع العقود البترولية التي كان يكتنفها الكثير من الغموض خطوة هامة على درب تطبيق المبادئ المذكورة. على اهمية عملية النشر، الا انها تبقى غير كافية لسببين  أوّلهما  ان مفهموم التعاقد المفتوح اشمل من ذلك  ، و ثانيها أن  النشر يستوجب مواصلة العمل المجتمع المدني  قصد فهم هذه العقود مما من شأنه ان يجنب الحكومة اي توتر في العلاقة او صدامات مع الجمعيات نتيجة سوء فهم بعض البنود، و سيمكن هذا من تمكين مؤسسات المجتمع المدني من الاضطلاع بمهامهم الرقابية و المساءلة و هو الهدف الأسمى من نشر العقود. و قد يكون مسار الاصلاحات القانونية الذي شرعت فيه الوزارة  فرصة سانحة لادراج مبادئ التعاقد المفتوح ضمن التشريع الوطني.

4) تعزيز سياسة البيانات المفتوحة
تعتبر اطلاق بوابة الوزارة للبيانات المفتوحة من ابرز المكتسبات التي تحققت و تيعين المحافظة عليها و تحسينها من حيث تحيين المعطيات الموجودة و استكمال المعلومات المنقوصة ، و يمكن الاستعانة في ذلك بمعيار مبادرةالشفافية في الصناعات الاستخراجية التي يشكل المرجع في هذا المجال لتحديد النقائص من حيث نشر المعطيات. و تجدر الاشارة في هذا المضمار الى ان الحكومة التونسية بصدد الاعداد لموقع جديد يتضمن جميع العقود النفطية و ذلك بالشراكة مع  البنك الدولي و معهد حوكمة الموارد الطبيعية و مركز كولومبيا للاستثمار المستدام .و سيستجيب هذا الموقع الى  المعايير الدولية من حيث وضوح الوثائق و امكانية البحث فيها و استغلالها، و سيساعد هذا الموقع على تطبيق الالتزام المتعلق بالتعاقد المفتوح لتكون تونس سبّاقة في هذا المجال.

5)  بناء القدرات
تعد مسألة بناء قدرات  الاعوان العموميين  من الروافد  الاساسية لاستراتيجية الحوكمة، لذلك سعت  وزارة الطاقة و المناجم خلال الفترة الاخيرة على ارساء حلقة  تكوين  سنوية تتعلق  بحوكمة قطاع الصناعات الاستخراجية و ذلك بالاكاديمية الدولية للحوكمة الرشيدة، هدفها لم يقتصر على تكوين الموظفين المتدخلين في القطاع ، بل تجاوزه ليشمل ممثلين ن المجتمع المدني و النواب و الشركات، و قد استعانت في ذلك بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية بوصفة المنظمة المختصة في هذا المجال. و سيساهم المحافظة على هذا الخيار في تعزيز المام جميع المتدخلين بالقطاع مما يؤدي الى التحسين في منظومة التصرف في الموارد الطبيعية.
تتنزّل العناصر المشار اليها اعلاه في صلب الاولويات التي تم ضبطها بوثيقة قرطاج ، حيث  توّجت هذه الوثيقة مسار النقاش حول حكومة الوحدة الوطنية واولويات الفترة القادمة وذلك بمشاركة العديد من الاحزاب و المنظمات الفاعلة في تونس، اذ تم الاتفاق على ست نقاط كانت احداها "مقاومة الفساد وارساء مقومات الحوكمة الرشيدة " ، و من شأن الخطوات المذكورة ان تجعل من تونس "نموذجا" فيما يتعلق بحوكمة الموارد الطبيعية حسب ما ورد بمسودة الخطة الوطنية الجديدة لشراكة الحكومة المفتوحة.
 
وسام الهاني: مسؤول عن برنامج تونس بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية