Image placeholder

الرؤية تتضّح للصحافية الليبية في لبنان: تأملّات في تدريب مركز المعارف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

English»

وصلت وزملائي الأربعة قادمين من طرابلس الغرب إلى بيروت في الأوّل من حزيران/يونيو، كممثّلين عن الصحافة الليبيّة، والإعلام، والمجتمع المدني، وعلماء الجيولوجيا.

وكانت الغاية من زيارتنا حضور الجزء الأوّل من ورشة العمل مع معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة التي امتدّت على مدى 10 أيّام والّتي عالجت مواضيع محدّدة تتّصل بحوكمة قطاع النفط والغاز.

وعند وصولنا، التقينا بزملاء مشاركين من دول عربيّة أخرى، هي تونس والعراق ولبنان، وما أنّ انطلقت الجلسات والتدريب حتّى فهمنا أنّ الحدث كان يستحقّ فعلاً عناء السفر.

لدى وصولي، كانت لدي رغبة بأنّ أتعلمّ وأفهم كلّ ما يتّصل بصناعة الغاز والنفط، بشكل بسيط ومفهوم، بدءًا من المراحل الأولى للصناعة (بما في ذلك الإجراءات، والقرارات، والتعقيدات، والآليّات الّتي تكمن وراء العمليّات التقنيّة، والقانونيّة، والتكنولوجيّة)، وحتّى الاستخراج، والشحن، والبيع، عندما تبدأ الأرباح بالتدفق إلى الخزائن والميزانيّات الوطنيّة.

قبل المشاركة في "أساسيّات حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، كان رأسي مليئًا بخليط مبهم من المصطلحات. وكنت بحاجة إلى ترتيب المسائل وربطها بدقّة حتّى أتمكّن من المشاركة بثقةٍ في نقاشات مستنيرة. وقد حقّقت ذلك فعلاً وإلى حدٍّ كبير، من خلال المحاضرات، والتمرينات الجماعيّة، والنقاشات مع الخبراء، والأكاديميّين، الّذين درّبونا على جميع النواحي الّتي تتّصل بصناعة النفط والغاز.

لا يُعدّ فهم هذا القطاع ونشر المعلومات المتّصلة به ببساطة وسلاسة للمشاهدين والقرّاء بالأمر السهل للإعلام المحترف في بلد يصّدر البترول وهو عضو في منظّمة الأوبك كليبيا. ويمكن أنّ نعزو هذا النقص في الوضوح إلى المستوى المتدنّي للشفافية والإفصاح من قبل السلطات على مدى سنوات، بالإضافة إلى تضارب البيانات الصادرة عن المسؤولين، والقوانين والتشريعات المبهمة، إلى جانب ضعف المجتمع المدني والإعلام.

تمرّ ليبيا الّتي تتمتّع باحتياطات كبيرة من النفط والغاز بمرحلة انتقاليّة. وهي إذ صنّفتها المنظّمات الدوليّة كأحد أكثر البلدان فسادًا في العالم، تعاني من وضع أمنيّ هشّ واقتصاد مُنهك. بالتالي، كان لا بدّ من دراسة السوق العالميّة والقوانين المرعيّة الإجراء وفهمها، والتمعّن في تجارب البلدان الأخرى، والاستماع إلى وجهات نظر الخبراء حول ليبيا بغية تشخيص الوضع وتقديمه إلى الإعلام مع توخّي الدقّة والمهنيّة. وتمّ تحقيق ذلك مبدئيًّا خلال هذه الأيّام الخمسة في بيروت.

لقد أُرشِدنا إلى الطريق الصحيح، وعلينا أن نكتسب المعارف الأخرى بجهودنا الشخصيّة. وبالنسبة إليّ شخصيًّا، تمثّل الجزء الأكثر إفادة بالنقاشات حول النظم الماليّة والأرباح. فقد أعطانا ذلك فكرةً عمّا يحدث الآن في بلدنا وبلدان الفرق المشاركة في الورشة التدريبيّة. شوّقّني أيضًا النقاش الدائر في لبنان حول اكتشاف النفط والغاز داخل حدود البلاد ومياهها الإقليميّة. وقد أطلق هذا الموضوع جدلاً واسعًا بين المشكّكين في الاكتشافات الّتي لا يزال حجمها غير مؤكّد، والمتفائلين بتوقّعات إيرادات الموارد الطبيعيّة.

وبعد أنّ تعلّمت أساسيّات حوكمة النفط والغاز، بات بإمكاني الآن أن أقول وبثقةٍ إنّ فهم هذا القطاع يتطلّب أكثر من مجرّد المشاركة في دورةٍ تدريبيّة، مع خبراء قانونيّين، واقتصاديّين، وبيئيّين. فبالنسبة إلى الصحافيّين، يتطلّب الأمر المتابعة، والتحقّق، والمقارنة مع باقي الدول والحقب.

إلى ذلك، استلهمت كثيرًا من النقاشات الجانبيّة، الّتي جرت مع زملائي المشاركين أو مع المدرّبين، فأنا صحافية إخبارية محترفة في بلد يهتمّ فيه الناس بإنتاج النفط، وأرباحه، وتوزيع إيراداته، والمدّة الّتي ستستمرّ خلالها هذه الموارد بدرّ الأموال.

وقد عدت إلى عملي بعد أن استفاق فيّ النهم للتعلّم. فالتدريب قد أجاب على العديد من الأسئلة، لكنّه طرح أسئلة أخرى أكثر صعوبةً سيتعيّن عليّ التحرّي عنها والإجابة عليها بنفسي. وقد تمّ إعطاء الكثير من المعلومات في وقت قليل جدًّا، فيما بقيت مواضيع التدريب في ذهننا بعد مغادرتنا.

فنحن أتينا من بلدٍ صحراوي، لا يستند اقتصاده سوى على إنتاج النفط والغاز الكامنين تحت الرمال وبيعهما. فهذه الموارد هي بالنسبة إلى البلاد آفةٌ بقدر ما تشكّل مصدر رزق وعيش. وإنّ معرفة تفاصيل استخراج هذه الموارد وبيعها لن يكون بحدّ ذاته غايةً لاهتمامي بالموضوع، بل بداية سعيٍ إلى المزيد من المعارف.

وأنا أتطلّع إلى اجتماع المتابعة الذي سيُعقد في فصل الخريف القادم في بيروت، حتّى نتابع من حيث توقّفنا.

نجوى وهيبة هي مقدّمة أخبار وناشطة بيئيّة في طرابلس الغرب.

هذا المقال هو أحد الآراء الثلاثة الّتي قدّمها مشاركون في ورشة "أساسيّات حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" وهي دورة تدريبيّة أقامها معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة والمركز اللبناني للدراسات خلال أسبوعين منفصلين في حزيران/يونيو وتشرين الأوّل/أوكتوبر. وقد شهدنا هذه السنة هذا التدريب الأوّل من نوعه حول حوكمة الموارد الطبيعيّة لناشطين من المجتمع المدني وإعلاميّين من العراق ولبنان وليبيا وتونس. ولتعرفوا أكثر حول ملتقى المعارف، أو لتقرأوا الآراء التي نشرها المشاركون الآخرون، يرجى منكم زيارة صفحة ملتقى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.