Image placeholder

الفصل الثاني في تونس: جهات المساءلة تلاحظ التقدّم، وتطالب بشفافية العقود

English»
 

احتفت الأسرة الدوليّة بتونس كقبس أمل وأرض خصبة للديمقراطيّة الانتقاليّة، في منطقة تعصف بها النزاعات والاضطرابات السياسيّة.

فمنذ ثورة 2011 الّتي أطلقت شرارة الربيع العربي، خطت الحكومة التونسية خطوات كبيرة باّتجاه تحقيق الشفافية، وإشراك أطراف المساءلة، سيّما منهم الإعلام ومنظّمات المجتمع المدني – في عمليّة صنع القرار الوطنيّة والنقاش العام. وبالفعل، فقد اضطلعت تلك الجهات بدور بارز في تمرير الدستور الجديد للبلاد في كانون الثاني/يناير 2014 وانضمام البلاد تاليًا إلى شراكة الحكومة المفتوحة. وقد أطلق رئيس الوزراء السابق مهدي جمعة على هذا المسار الإصلاحيّ اسم "الديمقراطيّة الوليدة"، في محاولة لحشد الدعم الدولي وتشجيع الاستثمار.

وللاستفادة من هذه المكاسب، قدّم معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة المساعدة لمنظّمات المجتمع المدني والصحافيين في تونس دعمًا للجهود الآيلة إلى إلزام الحكومة بالوفاء بتعهّداتها، وإيلاء أولويّة أكبر للشفافية في الصناعة الاستخراجيّة ضمن خطّة الإصلاح. ويحمي  الدستور الجديد حقوق المواطن بالموارد الطبيعيّة، ويعود الفضل جزئيًّا في ذلك إلى النقاش العام الّذي نشط فيه شركاء معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة. وقد أولت منظّمات المجتمع المدني أيضًا الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة أولويّةً في خطّة العمل القطريّة لشراكة الحكومة المفتوحة، وهو التزام يستدعي من وزارة الصناعة إتاحة النفاذ إلى المعلومات المتّصلة بالاستثمارات في البترول والمناجم ضمن نسق للبيانات المفتوحة.

ردم ثغرات المعارف

بغية الحفاظ على التقدّم والإضاءة على أوجه النقص، لا بدّ من استكمال هذا الطلب المتزايد من الجمهور على الشفافية والحوكمة الرشيدة للموارد الطبيعيّة بعمليّة إبلاغ مستنيرة ومتوازنة. ولهذه الغاية، قام معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة أيضًا بتدريب عدد من الصحافيين الاستقصائيّين من وسائل إعلاميّة مكتوبة، وإذاعيّة، وإلكترونيّة. ومكّنت هذه الجهود صحافيّين شباب من تغطية المسائل الاستخراجيّة على نحو دقيق، ومفهوم، وموضوعيّ.

وإذ يزداد النقاش حول الشفافية والحوكمة الرشيدة استنارةً، حوّلت منظّمات المجتمع المدني والإعلام اهتمامها إلى مسائل أكثر تعقيدًا وحساسيةً تتصل بالقطاع الاستخراجي، سيّما العقود والإفصاح عنها.

وتبقى مسألة الإفصاح عن العقود محورًا أساسيًّا للجدل الدائر. ففي حين تنصّ المادّة 13 من الدستور الجديد على مراجعة جميع عقود الصناعات الاستخراجيّة والموافقة عليها من قبل لجنة مختصّة في البرلمان، فإنّ الصيغة التي اعتمدت للمادة تُغفل التزام نشر العقود الّتي تشدّد عليه النسخة الأصليّة.

وبما أنّ النقاش المستنير حول شفافية العقود يستوجب فهمًا أساسيًّا للاُطُر القانونيّة، قامت ورش العمل الأخيرة الّتي نظّمها المعهد في شهر شباط/فبراير هذه السنة بتعريف الصحافيّين وناشطي منظّمات المجتمع المدني على الخلفيّات القانونيّة لأدوات المناصرة مثل مراسيم الوصول إلى المعلومة والتزامات شراكة الحكومة المفتوحة المتّصلة بشفافية الصناعات الاستخراجيّة.

المحامية سهام بوعزّة، رئيسة الجمعيّة التونسيّة للحقّ بالتنمية الحاصلة على منحة من المعهد (الجمعيّة هي الفرع التونسي لمنظّمة قانون التنمية الدولي) كانت بين المشاركين الّذين استفادوا من هذا النشاط. وفي هذا الصدد، قالت بو عزّة "رغم أنّ خبرتي في العمل على إصلاح قطاع المحروقات في تونس ترجع لأكثر من 10 سنوات، فقد وجدت أنّ المواضيع الّتي عالجتها هذه الورشة مفيدة جدًّا لجمعيّتنا بشكل عام، لأنّها تساعد الأعضاء الحاليّين على تكوين فهم معمّق للفرص والتحديات المتّصلة بالوصول إلى المعلومة في هذا المضمار".

كذلك، اكتسب 17 من العاملين في المجال الإعلامي أدوات لمناصرة الإفصاح عن العقود والحصول على المعلومات التي لا تدلي بها الحكومة. وقال الصحافي عادل زرّوق إنّ "النهج الّذي يعتمده الصحافيّون بات أكثر مهنيّةً". "أصبح الصحافيّون الّذين يقومون بتغطية مختلف جوانب النقاش حول شفافية الصناعات الاستخراجيّة يعملون على نحوٍ يتّسم بعدم الانحياز والموضوعيّة والتحليل".

إزالة الحواجز

وبالفعل، ففي بداية التدريب، عبّر الصحافيّون عن عدم ثقتهم بالمعلومات المستقاة من المصادر الرسميّة ونفورهم من التواصل مع ممثّلي الحكومة. ونتج عن ذلك توتّر وانعدام متبادل للثقة بين الصحافيّين والحكومة.

وبغية ردم الهوّة بين أصحاب المصلحة وتشجيع الحوار، دعا معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة السيّد قيس المجري، وهو مستشار قانوني ومسؤول عن الحوكمة الرشيدة في وزارة الصناعة، إلى كلا الورشتين، وذلك لمناقشة منصّة البيانات المفتوحة والإجابة على أسئلة المشاركين حول إصلاحات الحكومة.

وأعلن المجري أنّ منصّة البيانات المفتوحة هي مبادرة تهدف إلى تحسين نشر الحكومة للمعلومات. وقال "لا زالت معلومات أساسيّة كثيرة لا تُنشر، مثل نفقات الحكومة المفصّلة". وأضاف "هذه المعلومات أساسيّة لتقييم الشفافية، وإرساء الثقة مع المواطنين، ومكافحة الفساد".

ولتوضيح هذه النقلة بشكل أفضل، دعا المجرّي السيّد زرّوق إلى إنتاج وثائقي حول قطاع الصناعات الاستخراجيّة في تونس، بالشراكة مع وزارة الصناعة. فقد سبق للتقرير القصير الّذي أعدّه السيّد زرّوق حول عقود الصناعة الاستخراجيّة، كجزء من حلقة خاصّة مدّتها ساعة على قناة تلفزيون المتوسّط، أن عرّف الجمهور على مسألة بقيت محاطة بالضبابية والإبهام طوال عقود من الزمن.

وأرست الورشة الأسس لزيادة الضغط وإبرازه في الإعلام للتوصّل إلى الإفصاح عن العقود. وإذ شرع السيّد زرّوق وغيره من الصحافيّين المدرّبين بإنتاج تقارير ذات جودة حول شفافية العقود، تستعدّ منظّمات المجتمع المدني لتقديم مقترحات لمعهد حوكمة الموارد الطبيعيّة لمساعدتها على ممارسة حقّها بالوصول إلى المعلومة فيما يتّصل بعقود الصناعات الاستخراجيّة.

وتأمل الأستاذة بوعزّة من المؤسسة التونسيّة للحقّ بالتنمية إطلاق مشروع للحثّ على إصلاح الإطار القانوني والعمليّات الإداريّة. وتقول "يعتبر الجمهور أنّ المسؤولين فاسدين حتمًا ومتآمرين في مسألة الضبابيّة التي تحيط بعقود الصناعة الاستخراجيّة". وتابعت: "ومن الأهميّة بمكان التركيز على أنّ المسألة الأساسيّة تتمثّل بالإطار القانوني، الّذي يمأسس غياب الوصول إلى المعلومات المتّصلة بالصناعات الاستخراجيّة، حتّى في أوساط المسؤولين الحكوميّين الرفيعي المستوى".

حنان كساكس هي المعاونة لمعهد حوكمة الموارد الطبيعيّة في تونس
 

Authors